U3F1ZWV6ZTU0ODUyMjA4Nzk5Nzc2X0ZyZWUzNDYwNTUxNjQyODc1OA==

الكاتب عبد الباسط محمد قندوسي في حوار صحفي لجريدة حبرالحياة












- محتاج نبذة تعريفية عن حضرتك

* أقدم نفسي: 

أنا عبدالباسط محمد قندوزي كاتب وروائي تونسي من قرية صغيرة اسمها الاعتزاز من مدينة منزل بوزيان 

خرّيج فنون تشكيلية 

-كيف بدأت رحلتك مع الكتابة؟  

وما هو الدافع الرئيسي الذي جعلك تختار أن تكون كاتباً؟

* بدأت رحلتي في عالم الأدب بكتابة الخاطرة والنثر وهي مرحلة مهمة وملهمة في البدايات، تلتها بعض النصوص القصيرة لتنضج التجربة بكيفية متدرّجة حيث تطوّرت تلك النصوص بتطويع أحداثها لتصبح على شاكلة قصص قصيرة. وبعدها إلى روايات واختياري لعالم الكتابة كان تعبيرا عن حلم، فقد كنت أرى دائما أن الإنسان كيان وجوهر هذا الوجود، وحياته لا بدّ أن تتخطّى حدود أدواره الحياتية ليعانق تحدّيات أكبر يتجاوز من خلالها حضوره التقليدي الذي يجعل منه مجرّد رقم داخل هذا النّسيج البشري، وهو ما جعلني أرى ذاتي من زاوية نظر أعمق تأخذني حيث العوالم الأكثر إثارة وتأثيرا، فاخترت الكلمة واللّفظ، وكتبت وألّفت ما جال بخاطري لأزفّه للقارىء على هيئة أفكار وقضايا حياتية ووجودية.

-هل كان هناك كتاب أو كاتب معين أثر فيك ودفعك إلى الدخول في عالم الكتابة؟

* الأكيد أنّ عالم الكتابة يزخر بأسماء كبيرة تؤثر بشكل مباشر في الذّات، وترسم أثرها بعمق، ومثل غيري كنت شديد التعلّق بكتابات الأديب التونسي الكبير محمود المسعدي، والكاتب الكبير نجيب محفوظ فحُفرت كلماتهم في عقلي الباطني وعلقت أحداث رواياتهم في وجداني وهما الأبرز والأكثر تأثيرا على صفتي كقارىء وكذلك ككاتب أبحث عن أسلوب يخصّني متأثرا بصدى أسلوبيهما الخارق للمألوف 

-ما هي الموضوعات التي تجد نفسك مشدوداً للكتابة عنها؟ وهل هناك قضايا معينة تحب أن تتناولها في أعمالك؟

* لقد راوحت مؤلفاتي بين الرواية والكتب المختصة في الفنون التشكيلية، وبدورها رواياتي قد راوحت بين الأسلوب الرّمزي الذهني، والإجتماعي الذي يطرح قضايا حياتية بمسحة تتمازج فيها الواقعية بالخيال 

فمثلا رواية تخاريف الصادرة عن دار رنة للنشر والتوزيع وهي دار مصرية، قد جعلتها ركحا لأحداث تجمع بين كيان يبحث عن نفسه وسط ذكرى وذاكرة ويحاور كيانات مختلفة ألوانها، تجمع بين الآدمي بالحيوان بالجماد، وكذلك الأطياف والخيالات، لتدور أحداثا مثيرة سارت ببطل الرواية نحو رحلة شاقة وجد نفسه في آخر أمتارها في ذات المكان، صغتها بأسلوب رمزيّ فلسفيّ يعبّر عن صراع الإنسان مع شبيه الإنسان، ويؤسس لحوار ذهني تدور رحاها في إطار زماني ومكاني مخصوص يؤثّر في مقولات الذات التي تعيش حاضرها في تشابك مع ذكريات الماضي 

هي قضايا تهم وجود الإنسان الذي يعجز عن تخطّي علامات الماضي وذاكرة المكان، ويرغب في استدراج الذات الممزقة التي تسكنه كي يتقدّم بها نحو حاضره بواقعيته وإن بدت مخيفة أو رتيبة أو معهودة. يفشل حينا وينجح حينا حتى يبلغ منتهاه الأخير أين تلك الحلقة الحلزونية التي لا تحمل علامات البداية ولا تدرك معنى النهاية 

ربما القضايا الأكثر إلحاحا والتي تسكنني بقوّة هي تلك التي تُعنى بالإنسان داخل هذا النّسيج المجتمعي المتباين، والذي يفصل بين ذوات بشرية تعمّقت الهوّة بينهم فأفرزت طبقيّة مفزعة، وهو ما طرحته ضمن نمطين مختلفين من الكتابة الأولى في الجنس الروائي والثاني في الكتاب المختص 

وتفسيرا لذلك قد ألّفت كتابا عن الفن التشكيلي يحمل عنوان "فنانو الطبقات الكادحة"، وقد حمل في طياته رؤية فنية نقلت بصريا ولفظيا تجارب فنانين حملوا شهادات على عصرهم بتصويرهم لواقع الفلاحين والكادحين والعمال، ورسموا مأساة البطالة ومظاهر الجوع وشبح الحروب، وقسوة رأس المال وذوي السلطة، وغطرسة أصحاب النفوذ، كما حاكت أياديهم لحظات تمرّدهم واحتجاجهم ورفضهم لنمط حياة أذلّهم.

أما النمط الثاني وهو الروائي فقد عبّرت عنه من خلال رواية صوت الكادحات، صوت نساء عاملات وسط مزارع، لتعبر الرواية عن واقع حياتي مزرٍ جعل منهنّ ضحايا رغيف الخبز في زمن طغت فيه قسوة الظروف وأعدمت فيه كل الوجوه الإنسانية 

-هل تعتمد على التخطيط المسبق عند كتابة رواياتك أو مقالاتك، أم تترك القلم يتدفق بحرية؟

* لم تخضع رواياتي لتخطيط مسبق، بل كانت متحرّرة من كل قيد، كان القلم ينساب متحرّرا من كلّ شروط مسبقة، فالأحداث وليدة اللّحظات والشخصيات التي تتواتر تباعا تحتّمها أحيانا الأحداث وأحيانا هي وليدة الصّدفة، وقد يلعب الخيال دوره في اختيارها، فلا توجد فكرة بعينها ولا حوارات يسبقها تخطيط

في تقديري الحكاية وليدة لحظة إلهام ونجوى مع الذات، هي بمثابة هذيان متواتر محكوم بفواصل عديدة فقد تهجر ما كتبت لبرهة من الزّمن ثم تعود حين تأذن القريحة وتشير إلى عقلك بأنّ في الوجدان كلمات تتزاحم ترغب في فكّ وثاقها فتخرج تباعا 

-كيف تصف أسلوبك الكتابي؟ وهل تأثرت بأساليب كتابية معينة أو حاولت تطوير أسلوبك بشكل فريد؟

* قد أعجز عن وصف أو تصنيف أسلوبي لكنّي أميل كثيرا إلى الكتابة التي تحمل في طاياتها معنى غير معلن وصريح فأترك للقارىء مساحة تأويل وبحث عن أصل المعنى وتتبّع المغزى بفكّ تلك العلامات الملغزة، وكذلك ميّال إلى وصف الحدث وكأنّ باليد ريشة وألوانا، فأرسم بحروفي المشهد حتّى يكاد القارىء يرى الصّورة بدل النصّ، وهو أسلوب ينهل من المدارس الرّمزية والفلسفية، تكسوه لمسة سريالية في أحايين عديدة وغايتي في ذلك هي أن أرسم توليفة بين أساليب ذهنية صرفة، وأخرى واقعية محضة، وأزامنهما وأضايف بينهما لأحدث صراعا فنيّا يجعل مما أقدّمه في كتاباتي خارجا عن مألوف الكتابة 

-ما هي أكبر تحدياتك ككاتب؟ وكيف تمكنت من تجاوزها؟

* هناك جملة من العوائق التي تقف حائلا دون تقدّم أي كاتب خصوصا في بداياته، أولها ماديّ وثانيها غياب الداعم الإعلامي الذي يُخرج العمل من مرحلة الكمون إلى العلن. أمّا المشكل الأوّل فسببه ضيق الأفق أمام الكاتب عندما تضع دور النّشر شروطها لتنشر عملك خصوصا الأول منها، وقد تجاوزته بطريقتين الأولى بتوجّهي إلى دير نشر عربية مصرية بالأساس نظرا لكون التكلفة أقل، وثانيها المشاركة في المسابقات الأدبية التي تنظمها دور النشر فكان لي الشّرف في أن أفوز بجائزة النشر المجاني في مناسبتبن (رواية إساف ونائلة - دار موجة للنشر) وقد تحصلت على المرتبة الثالثة ليقع نشرها مجانا، (ورواية ميارى - دار دان للنشر) والمتحصلة على المرتبة الثانية وكذلك النشر المجاني

وقد مثّلت هذه المسابقات ملاذا للكثير من الكتّاب والأدباء لتكون حلاّ لتجاوز هذه الأزمات والمعيقات 

أما المشكل الآخر فيتمثّل في فرص التواصل والانتشار الجماهيري من خلال منصات إعلامية محلية وعربية سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية، فقد توجّهت إلى طرق أبواب كثيرة بعضها ظلّ موصدا وبعضها فتح ذراعيه ليحاورني مثل جريدتكم الموقّرة من خلالك 

-حدثنا عن أعمالك المنشورة حتى الآن.. هل هناك عمل محدد تشعر أنه يعبر عنك أكثر من غيره؟ 

* بالنسبة لأعمالي المنشورة لا قدرة لي على المفاضلة، فكلّ عمل له وقعه وأثره، ووراء كتابته حكاية، لكن يبقى الأثر الروائي الأوّل هو الأقرب والأشدّ وقعا "رواية تخاريف" وما تحمله من صور كأنها تحاكيني وتفصح عمّا بداخلي، وتحدّث عن أفكاري، هي رجع الصدى بداخلي، تحاكي عمقي وتكشف سرّي رغم أنّها ليست سيرة ذاتية لكنها تنبع من عمق وجداني فأتخيّل نفسي البطل داخلها 

-كيف ترى دور الأدب في المجتمع اليوم؟ وهل تعتقد أن للأدب تأثيراً ملموساً في الواقع؟

* الأدب على مرّ الزمن مرآة عاكسة للحياة ووقعها، وإن تغيّرت الأحداث، وتبدّلت الظروف فإن للأدب دوره داخل المجتمع، فهو يحاكيه وينسج خيوطه ويعبّر عن قضاياه، ويختزل صوره وأحداثه، ويُعرّي الظواهر الكامنة فيه، ولو أنّ زمن الرقمنة قد طغى وسلب الكتاب موقع الريادة فإنّ الأدب يتجدّد ويواكب الأحداث المتنامية ويفرض نفسه كقوة ضاربة في عمق الإنسانية فلا يأس مادام هناك قرّاء بمختلف أنماطهم وعلينا أن ننخرط ضمن هذا المسار المتطوّر ونفهم مشاغل العقل البشري في عصرنا ونكتب بطرائق تواكب قضاياه وشواغله على أن ننفرد أحيانا بفسحة إبداع تعبّر عن ذواتنا 

-هل لديك طقوس معينة تتبعها عند الكتابة؟ وكيف تساعدك هذه الطقوس في التركيز والإبداع؟

* لا وجود لطقوس خاصة فلست ميّالا للعزلة، قد أكتب وسط الجمع، وقد أنفرد أحيانا، أجد في الليل فسحة أكبر. لا شيء يمنعني من الكتابة حين تعلن عن بداية تشكّل جملها الأولى، لكن قد أطيل الفواصل فأنقطع لبرهة ثم أعود مجدّدا. عندي إيمان راسخ بأنّ للكتابة أوقات مختلفة وأمكنة متنوّعة فقد أعشق الهدوء أحيانا وقد أجد في الضوضاء مقالا كان متخفّيا 

-كيف تتعامل مع النقد؟ وهل تلقيت نقداً معيناً ساعدك في تطوير أسلوبك أو رؤيتك؟

* النّقد البنّاء مطية نجاح هكذا أراه، فهو عين ثانية تنظر إلى أثرك، وعقل آخرى يفكّر خارج فلك تفكيرك، وقد أخذت بنصيحة من رأى في كتاباتي اعوجاحا فأصلحه، ورأى في بعضه الآخر قوة فأدعمه، غير أنّ فرص النّقد ليست بالكثيرة ولا هي باليسيرة في زمن يقرأ فيها النّاقد المعروف في الأوساط الأدبية فقط الكتّاب المصنّفين في الصفّ الأوّل. 

-ما هي رؤيتك لمستقبل الأدب في العالم العربي؟ وهل تعتقد أن الكتابة تواجه تحديات خاصة في هذا العصر؟

* في العالم العربي هناك توجّه كبير نحو كتابة الرواية، وقد رأى النّقاد في ذلك نقيصة وذلك لكون تلك الإصدارات الكثيرة قد تؤثر سلبا على متانة الرواية وقوة طرحها، غير أنّي أراها نقطة مضيئة، فالأفضل أن يكتب الفرد منّا ليثري المكتبة العربية، وللقارىء الحكم إن كانت لتلك الروايات مكانة.

أمّا عن التحديات التي تواجهها الرواية العربية في عصرنا الحالي فهي كثيرة أهمها الغزو الرّقمي الذي يجعل من الكتاب الورقي مجرّد حضور شكليّ قد نكتفي بوضعه على رفوف المكتبة، وإنّي أرى من الكتب الإلكترونية بديلا يفرض نفسه بشدّة، وأمام تراجع نسبة القرّاء والمهتمين بالكتابة فإنّ التّحدّي الأكبر هو أن نعيد للكتاب بريقه سواء كان ورقيا أو رقميا، وأن ندرّب الناشئة على المطالعة ليكتسب آلياتها ويجعل منها عادة حياتية 

-هل هناك موضوعات أو أفكار تعتبرها محظورة أو تجد صعوبة في تناولها في كتاباتك؟

* كثيرة هي الموضوعات التي أراها محظورة في عالمنا العربي مثل الكتابة في المقدّسات التي تمسّ الأديان وتزدريها، أو التي تبالغ في "سلعنة" الذات البشرية فتجعل منها آلة للجنس أو أداة تنكيل بحضارة أو بإرث وموروث شعب فيُخرجه على هيئة مهينة تتنافى وقيم الإنسانية، وهي مواضيع لا أرى نفسي فيها 

-كيف ترى تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على عملية الكتابة والنشر؟

* التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ملاذنا كي نعرّف بأدبنا وكتاباتنا ولولاها لما سنحت لي الفرصة أن أجري هذا الحوار معكم، هو عالم مفتوح فتح أمامنا أبوابا كثيرة فقد يسعفني الحظ وأجد ضالّتي لتخرج أعمالي وتنتشر وتضرب موعدا مع قرّاء تعشق الحرف واللغة. هي قنوات تواصل من خلالها نعبر ونلتقي افتراضيا مع ذوات تشبهنا وتختلف عنّا وتبادلنا شواغل النفس وتصغي إلينا من خلال رواياتنا 

-ما هي النصيحة التي تقدمها للكتّاب الجدد الذين يسعون لدخول عالم الكتابة؟

* لكلّ كاتب يشقّ طريقه أنصحك أن تكتب دون خوف، وأن تنظر إلى الكتابة بعيدا عن كلّ كسب مادّي، فإن وجدت الفرصة لتنشر أعمالك فلا تتردّد وتبحث عن قوّة العرض بقدرما تبحث عن الفرصة التي فتحت أمامك إمكانية ولادة عمل يعبّر عنك وعن أحلامك وتطلّعاتك 

-ما هي مشاريعك القادمة؟ وهل هناك عمل جديد تعمل عليه حالياً؟

* قادم مشاريعي الكتابة في مجال القصة القصيرة، هي نمط أدبي قد يشدّ القارىء الذي يملّ الروايات الطّويلة في عصر طغت فيه التكنولوجيا، بالإضافة إلى تجربة ستجد رواجا في قادم الأيام تتمثل في كتابة القصص الموجهة للأطفال، وهي تجربة جديدة قريبا سترى النّور. فالكتابة للأطفال ممتعة رغم دقّتها.

-كيف توفق بين الكتابة والحياة الشخصية؟ وهل تجد صعوبة في تحقيق التوازن بينهما؟

* الكتابة لا تعيق عجلة الحياة سواء العملية أو الشخصية، يكفي أن تجعل منها استراحة بعد مشقّة، وفسحة مرحة بعد تعب يوم، فهذه الحياة ساعة بساعة، ساعة للجد والعمل والأسرة، وساعة للكلمات والجمل والفكرة المضايفة للفكرة والحدث المطلّ على الحدث حتّى تتشكّل حياة رديفة لا تختلف كثيرا عن حياة الحقيقة فلكليهما طعم خاص 

-في الختام، ما هي الرسالة التي تود توجيهها لجمهورك ومحبي الأدب؟

* رسالتي لكل قارىء وكلّ متابع لي "لا تقتل الصوت الذي بداخلك" وعاهد نفسك أن تدفع بطموحك إلى أقصى غاياته رغم الصعوبات، وحاذر أن تفقد الإنسان الذي يسكنك وأن تعبّر عن الآخر من خلال ذاتك وإن بدت بينكما أميالا ومسافات وفوارق واختلافات، ولا تيأس إن كان في أحداث الحاضر مطبّات فالغد الآتي سيحمل نسمات عليلة تجبّ العوائق وتضع بينك وبينها سدّا، واعلم أن الأدب فنّ حياة فإن أتقنته تفنّنت في حياتك وطردت الرتابة منها فتتجدّد وتبدع وتخرج عن تقليد رتيب يجعل منك مجرّد رقم في بناء بشري كثيف فبيدك تصبح الرقم الأول والأصعب والأوضح والمعلن، فتخيّر موضعك في المكان الأرفع 

أشكركم وأشكر فضلك، كان حوارا ممتعا في هذه المساحة التي خصصتها جريدتكم لذوات تبحث عن ركن يحمل فكرها وأدبها واصداراتها ليضعها على ذمّة القارىء في كلّ مكان داخل هذه الأرض الممتدّة 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

اذا اعجبتك جريدتنا الرجاء وضع تعليق يسعدنا على تقديم المزيد

الاسمبريد إلكترونيرسالة